عبده جدعون على موقع ملاعب

للتحوّل من العقل القبَلي إلى العقل المؤسّساتي.

للتحوّل من العقل القبَلي إلى العقل المؤسّساتي.

20-12-2022

تُعتبر مُشكلة القبليّة الرياضية والثقافة الرياضية المُسيطرة عندنا، من أهم المشاكل المُزمنة، والتي أدّت وتؤدّي إلى تكريس وجود وهَيمنة العلاقات الأنانية والمَصالح الانتفاعية الشخصية، وغياب إرادة الإصلاح والتغيير والبناء الحديث، وكان من أهم ألأسباب لتفاديها هو نَصّ القوانين لإتّباعها وسعيها إلى الحدّ مِن تأثير تلك المُشكلة الإجتماعية المُزمنة، بل ومُحاربة مفاهيم القبيلة وإسقاط عقلية القبَلية بالطغيان السياسي، بإعتبارها مِن أخطر وأشرس الظواهر المرَضيّة ألتي لا تزال تَفعل فِعلها السلبي في داخل قطاعنا الرياضي.

ندعو إلى تَحطيم كلّ التماثيل ألتي من "الرخام الاصطناعي"، وعلى رأسِهم بعضُ تماثيل الإتحادات النائمة على حرير والمتمسّكة بمقدّرات وقدُرات ألعابها ولاعبيها، بإعتبار هذه التماثيل مِن المَرمَر ولا إستغناء عنها، كونهم مَسنودون ومَدعومون وظهرهم قوي.

لا مَجال لتلك المشاهد التي تَبرز بين الحين والآخر في المكاتب والملاعب وما يجري وراء الكواليس مِن الذين يرسمون الخرائط المصبوغة سياساً ومذهبياً وطائفياً معتبرين أن في القطاع مؤسسات هجينة، ما يقتضي إقامة مؤسسات بديلة، على أن تُدار مرحلياً، بـ "الماريونيت" و"الريموت كونترول".

سخّر البعض طهارة التاريخ الرياضي على شكل حصان يجرّ عربة الموتى والذي في نظرهم يغتصب الجغرافيا ونفوس الأحياء فيها.

النقد حقّ مشروع ويجب أن يَطال الجميع، وكل من يَعتبر نفسه فوق النقد وفوق المساءلة وفوق القانون، ونقصد به هنا كل مَن ينظر إلى الرياضيين على أنهم مجرد رعايا ومشاريع إستثمار وأوراق تفاوض، نقصد كل مَن يَعتبر أن الحياة خُلقت لهم وحدهم، نقصد مَن يتاجر بقضايا الناس الحياتية والمعيشية والإجتماعية، وهذا ينطبق على كثيرين في عالمنا الرديء اليوم.

لم تتمكّن القوى التغييرية ألتي بَرَزَت كحركات تغييرية أصيلة في واقع القطاع من التأثير الفعّال على فِكرة وفعالية القبَلية السياسية، بل بقيت تلك العقلية القبَلية مسيطرة على قطاعات واسعة مِن الإتحادات والأندية بكل أجوائها وامتداداتها وأشكالها، لتشكّل إحدى أهم المسببات والدوافع الرئيسية لأزمات واقعنا المتلاحقة ألتي ما زالت تكبّله وتمنعه من الإنطلاق نحو مواقع العمَل والإنتاج والتصاعد الحضاري، وترهن وجوده لصالح نزعات طغيانية ليس لأصحابها من همّ سوى تكريس مصالحهم وأهوائهم وإمتيازاتهم.

وأفضت تلك العقلية حالياً إلى بناء مجتمعات حديثة مشوّهة، غير قادرة على النهوض مِن تخلّفها وسباتها التاريخي الطويل، والأمل الوحيد المتبقي أمامها للخروج من هذه الأزمة العميقة (وحداثتها المزيفة الكسيحة) هو في البدء بتوجيه معاول النقد الموضوعي البنّاء إلى الجذور النفسية والفكرية التي أنتجت وَولدت هذه الحداثة، وتهيئة شروط جديدة لتجاوزها، والخروج من أخطارها العقيمة والواجب يقتضي منّا التدخل في هذا المجال.

من هنا أهمية الفِعل الرياضي النقدي، والعقل السياسي النقدي المنفتح الذي يقف على طرَفي نقيض من العقل الطائفي والعقل القبَلي، والذي يقبَل التحوّل والإنفتاح، ويعتبر الآخر كمالاً له وشرطاً لوجوده وفاعليته، هكذا عقل رياضي حضاري، مدني، تعدّدي، تداولي، تواصلي، لم نتوفّر عليه بعد، إلا بالكلمات!.

ما نتابعه على الملاعب والشاشات ومجالات التواصل الحديثة دليل واضح على القبَليّة الباطنية لدى غالبية ضعفاء النفوس في القطاع. التفاحة المهترئة في صندوق مهما كان واسعا بمقدورها إفساد المجموعة اذا لم نتدارك الأمر لإزالتها سريعاً، ماذا تنتظرون؟ المطلوب من قيادتي اكبر واعرق ناديين لبنانيين نفتخر بانجازاتهما، تسريع التحول من العقل القبَلي عند البعض الى العقل المؤسّساتي ولا مجال للإنتظار.

عبدو جدعون

فهرس عبدو

عودة الى نهار الرياضة

جميع الحقوق محفوظة © 2022

abdogedeon@gmail.com

ABDO GEDEON   توثيق